السلام عليكم ورحمة الله بركاته
حكاية تأنيث محلات الملابس النسائية
سمر المقرن
قبل أكثر من سبع سنوات، حينها كنت أعمل في صحيفة الوطن، كانت تلك الصحيفة آنذاك في قمة توهجها، فما نقوم به وزميلاتي وزملائي كنا نسميه «الجنون الصحفي». أتذكر حينها قمت بتجهيز تحقيق صحافي يتناول الإحراج الذي تعانيه المرأة في محلات الملابس الداخلية عندما تشتري هذه القطع من الرجال.
تم تجميد تلك المادة بعد تسليمها لأكثر من أسبوعين، وبعد سؤالي عن موعد نشرها أبلغني محرر الصفحة أن رئيس التحرير المكلف في ذلك الوقت، الدكتور عثمان الصيني، قد رفض نشرها. اتصلت بالدكتور الصيني مستفسرة عن سبب منعه المادة من النشر، فأتت إجابته أن المادة غريبة وتحتاج إلى تفكير قبل نشرها، فأقنعته بأسباب إعدادي لهذه المادة، وعن مدى معاناة المرأة حينما تذهب لشراء مستلزماتها الخاصة من الرجال، هذا من الناحية الدينية والأخلاقية والإنسانية، أما من الناحية الصحافية فإن نشر «الوطن» لهذه المادة سيعطيها سبقا صحافياً، قال: «أجل توكلنا على الله». وبعد نشر التحقيق، وما تلاه من ردود أفعال، طلب مني رئيس التحرير تجهيز حملة صحافية في ملف متكامل عن هذا الموضوع، ينشر لمدة ثلاثة أيام في صفحتين، وعنوان في الصفحة الأولى. توالت ردود الأفعال على مستوى الإعلام وعلى المستوى الاجتماعي، كنت سعيدة بهذا النجاح، بعدها اتصلت برئيس التحرير أسأله عن أي توجيهات أو مقترحات بخصوص هذا الموضوع الذي تحول إلى قضية رأي عام وصدر في شأنه القرار رقم 120 في عام 1425هـ، بقصر العمل في هذه المحلات على النساء، قال لي أستاذي عثمان الصيني: «مهمتنا انتهت، والآن نشاهد ردود الأفعال ونستمتع بها».
أردت أن أروي لكم بداية قصة تأنيث محلات الملابس النسائية، صحيح أن القرار تعثر بعد صدوره، وبعد أن التزمت بعض المحلات بتشغيل النساء، لكننا ولله الحمد نراه اليوم حقيقة على أرض الواقع، لن يستطيع -كائنا من كان- الوقوف في وجه تنفيذه طالما عزمت قيادتنا الرشيدة على تنفيذه، لأن هذه القضية في جوهرها قضية أخلاقية وإنسانية حتى قبل أن تكون دينية، فنحن أولى من الغرب بأن يقوم على بيع هذه الملابس نساء، ومع ذلك فإن المحلات التي تبيع الملابس الداخلية في الدول الغربية لا يعمل بها إلا نساء، وإن تواجد رجل فهو يعمل في قسم المحاسبة ولا يتدخل في بيع وشراء ومواجهة النساء مع القطع المحرجة، هذا وهم لم يتعلموا من الإسلام الحياء، لكنهم في هذا ينظرون من خلال زاوية أخلاقية ومهنية، لأن المرأة هي الأعرف بهذه الملابس، وهي القادرة على مساعدة نظيرتها خلال شرائها.
بعد هذا كله، وبعد الحملات المؤيدة التي قامت بها بعض الأخوات على المواقع الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، فإنني أرغب بالتعبير عن سعادتي لهذا القرار الحكيم، وأنا على ثقة بأنه «لن يضيع حق وراه مطالب»، شرط أن يكون بالطرق السليمة البعيدة عن المزايدات وعن الاصطياد في الماء العكر.
*نقلاً عن "الجزيرة" السعودية