السلام عليكم ورحمة الله بركاته
كتاب شيق وجميل
صورة للغلاف:
عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز.. كان مولده يوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة عام ألف وثلاث مئة وثلاثين من الهجرة, في الرياض عاصمة نجد آنذاك ..فقد بصره في أول حياته؛ فأضحى فقد البصر عنده بصيرة نافذة صادقة, وعزيمة لا تعرف الكلل أو النصب.. ونفس تسمو فوق ملذات الدنيا يوم أحاطت الملذات أكباد الرجال, كإحاطة الظرف بالمظروف, فارتضى من الدنيا العلم؛ والعلم فحسب, ومن الآخرة الجنّة ونعيمها؛ وأنعم بذاك غاية ومقصداً..أقبلت عليه الدنيا بخيلها, ورجلها فأعطاها دبره؛ وهو منها من الهاربين, وحسبه أن جعل الدنيا ممرًا للآخرة .
رأى كما رأى أبناء عصره صراعات الحق والباطل.. وأوضاع التمزق والتشتت, والفوضى والخرافات والأباطيل, وشهد الدعوات الملّحة إلى الوحدة والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله ـ عليه السلام ـ وشهد كذلك بناء أركان الدولة السعودية الحديثة- حرسها الله- على أسس واضحة وبقيادة ناجحة.. ومن هنا كان - رحمه الله - شديد القرب من التحولات الكبرى التي عاشها المجتمع السعودي, وأدرك الفارق الكبير ما بين الحق والباطل.. والتشتت والاستقرار, والازدهار..والفقر والغنى.. والعلم والجهل.. والتقدم والتخلف.. كان - رحمه الله- رجل دين.. رجل عقيدة.. رجل خلق, لا يسعك إلاّ أن تقف مبهورًا أمامه.. وبملء ناظريك مشدوهًا.. مات ولمْ تمت أحرفه.. وكلماته.. وكتبه.. وفتاواه.. مات وترك مساحة مسكونة بالهم الدعوى التسامحي لتلامذته وطلابه.. فكم نحن بحاجة إلى أمثاله ..
كان كما يصفه المقربون( رقيق القلب، قريب الدمعة، نقي السريرة، طاهر الفؤاد، صافي الروح، حلو الموعظة، كريم الخلق، باسم المحيا، ذكّارا شكّارا، صوّاما قوّاما، عذب الحديث، هيّنا ليّنا، متواضعا، مخبتا لله، لا يحقد ولا يحسد، ولا يتكلّف ما ليس عنده، يده بالعطاء ندية، وبالخير سخية؛.. فهو بحق غرة هذا الزمان، وحصن الفضيلة، وسيف الإسلام، المنافح عن عقيدة التوحيد، والذبّ عن حياض السنة، والمكافح ضد البدع والمنكرات)
هذه مقدمة يجب أن تقال؛ حين يجب الكلام, وحين يكون بين يدي الساعة كتاب بعنوان( منهج الشيخ عبد العزيز بن باز في الرد على مخالفين) للأمير نايف بن ممدوح بن عبد العزيز آل سعود.
الكتاب في مُجْمله يضع إطارًا عامًا لمنهج الشيخ ابن باز - رحمه الله- في الرد على المخالفين, تقوم خلاصته على ما وقف عليه الأمير نايف بن ممدوح, في رد ابن باز على مخالفيه, وقد أوجزها في العدل والإنصاف, ومراعاة مكانة المخاطب, وإعطاؤه قدره, وترغيبه في أن يعود عن خطئه, والتواضع وخفض الجناح, وعدم الاستعلاء والتكبّر والترفع في مخاطبة المخطيء , وعد التشفّي والانتصار للنفس, والرّحمة والشفقة بالخلق, ومحبة الخير لهم, وتحبيبهم في الخير, وتغليب جانب الرفق واللّين على جانب الشدة والعنف, و القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والنصح للخلق وعدم المجاملة أو المحاباة, وإحياؤه لسنة الرد على المخالفين, مع تقيده بالأدب النبوي الكريم؛ فجمع بين هدى السلف في الردود على المخالف, وبين التأدب بآداب السنّة النبويّة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ إذ المراد هو التصويب وإرشاد ذلك المخطىء , وليس التشفي وإسقاط الآخرين.
ويصف الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد ما قام به صاحب الكتاب, وما بذله من مجهودات في جمع وتأصيل منهج الشيخ ابن باز في الرد على المخالفين بقوله:" هو انتقاء جملة من ردود شيخنا شيخ الإسلام وإمام أهل السنة في زمانه الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله- وإخراجها في كتاب خاص بغية الوقوف عليها والاستفادة من منهجه - رحمه الله- في الرد على المحالفين, وهو منهج يتسم بالرفق والشفقة, والحرص على سلامة المردود عليه, ورجوعه إلى الصواب" .
ويقول الدكتور صالح بن فوزان الفوزان في معرض مقدمته على الكتاب:" فوجدته – أي الكتاب- مجموعًا مناسبًا موضحًا لمنهج الشيخ – رحمه الله- في التحقيق العلمي والأسلوب, الرفيع المقنع".
ويعرض الأمير نايف بن ممدوح السبب الجوهر لجمع ردود العلامة الشيخ ابن باز لما رأى " في الآونة الحرجة, التي للأسف أصبح فيها كثير من الناس – إلا من رحم الله- لا يعرفون كيف يتعاملون مع المخطىء والمخالف للصواب , فالذين يعرفون الخطأ من الصواب – ولله الحمد- كثيرون, ولكن قلّة قليلة منهم الذين يعرفون كيفية معالجة تلك الأخطاء وتقويمها بالحسنى, وبالتي هي أحسن وأقوم, لا بالتي هي أسوأ".
ويؤكد على أن الردود العلميّة لا تخرج عن كونها نصيحة لذلك المخطىء – المراد نصحه- ورجوعه إلى الحق وتبيين الصواب للناس, الذين قد يلتبس عليهم الحق, وهي أيضًا لا تخرج عن آداب الدعوة إلى الله, وقد أمر الله تعالى أن ندعو إلى سبيله سبحانه بالحكمة, والموعظة الحسنة, وأن تكون المجادلة بالتي هي أحسن, فقال عز من قائل: (ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
حتى في جدالنا مع أهل الكتاب أمر سبحانه بالمجادلة معهم بالتي هي أحسن ابتداءً , فقال وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن الله رفيق, يحب الرفق, ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف, وما لا يعطي على سواه".
وقصارى القول:
ليتنا نتعلم كيف يكون الرد على المخالفين, ونسير على درب النبي صلى الله وسلم, ونقتدي به, نسير على نهجه بدلاً من لغة الغاب والعنف والإرهاب التي أضحت سمة من سمات البعض من مدعي العلم؛ والعلم منهم براء.
نموذج في الرد على المخالفين
تعقيب على وصية شيخ بنى مسجد وأوصى بدفنه فيه بعد موته
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم سماحة الدكتور: (.......) وفقه الله وتصر به الحق آمين
سلام عليكم ورمة الله وبركاته , وبعد:
فقد اطلعت على كلمة للشيخ (.......) في مجلة (.......) عدد شعبان 1397ه , قد تضمنت خبرا نشرته جريدة (......) في عددها الصادر في 7/5/1977م نصه كما يأتي أقام الشيخ(.......) مسجدا في قريته (السلام) بمركز بلبيس, وأوصى عند وفاته: بأن يدفن في هذا المسجد) انتهى الخير.
وفي الكلمة المذكورة النصيحة لسماحتك بعد الإقدام على هذا العمل المخالف لأهداف الشريعة المطهرة, من تخصيص بيوت الله للصلاة, والعبادة والذكر والدعاء والاستغفار, وتلاوة القرآن, لا للدفن فيها واتخاذها مقابر.
وقد كدرني هذا الخبر كثيرًا, واستغربت حصوله من سماحتكم – إن صح- والذي نرجو أن يكون غير صحيح؛ لما قد عرف عن تسرع كثير من أصحاب الصحف في تشويه الأخبار, ونقلها على غير وجهها الصحيح, ويضاف إلى ذلك: أننا نستبعد كثيرًا خفاء حكم اتخاذ القبور في المساجد عليكم؛ لما ثبت من الأحاديث الكثيرة الصحيحة الصريحة في تحريم ذلك, والنهي عنه؛ لكون ذلك وسيلة عظيمة من وسائل الشرك, وتعلق الكثير من العامة والجهّال بأصحاب تلك الأضرحة, وافتتانهم بهم ودعائهم إياهم من دون الله, وجعلهم شركاء لله في طلب النفع ودفع الضر, وقضاء الحوائج مما لا يجوز طلبه إلا من الله عز وجل – كما لا يخفى- والواقع من العامة والجهلة عند قبر البدوي والحسين وغيرهما من القبور المعظمة شاهد بذلك, كما أنه غير خافٍ على سماحتكم ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لعن اليهود والنصارى على اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد, وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه, عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال:" ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد, ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك"
ولا شك أن الدفن فيها داخل في اتخاذ القبور مساجد الذي ورد في الأحاديث المذكرة: التحذير منها, ولعن من فعله.
فالواجب على سماحتك العدول عن هذه الوصية- إن كانت قد صدرت منك- وإعلان ذلك في الصحف المحليّة, مع بيان أسباب العدول عنها؛ براءة للذمة, ونصحًا للأمّة, وحرصًا على أن لا يظن بسماحتكم إجازة مثل هذا العمل الخطير المخالف للشريعة المحمدية, لا سيما وأنتم قدوة الناس, فاحذروا أن تسنوا سنة يكون عليكم وزرها, ومثل وزر من اقتدى بكم فيها أو أجازه إلى يوم القيامة.
وأما أن كان الخبر غير صحيح, فالواجب التنبيه على ذلك في الصحف الرائجة حتى يعلم براءتكم منه .
والله أسأل أن يجعلنا وإياكم من دعاة الهدى وأنصار الحق, وأن يثبتنا وإياكم على دينه, إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.