الســـــــلام عليكم ورحمة الله و بركاتـــــــه
أخــــــــواني الكـــــــرام
أسمحو لي بهذه المشاركة المتواضعة ..
وهي خاصة بالنقد الأدبي وكيفية التعامل معه ..
علها تحوز على ذائقتكم ..
إخواني
قال المتنبي
فإن يك بعض الناس سيفاً لدولة
ففي الناس بوقاتٌ لها وطبــول
جمع البوق قياساً أبواق وقد أوردها بوقات ، و مخالفة القياس عيب في فصاحة الكلمه
وقال أيضاً:
خلت البلاد من الغزالة ليلهــا
فأعرضهاك الله كي لا تحــزنا
لم يجز سيبوبه تقديم ضمير الغائب المتصل على الحاضر ، فالأصوب أن تكون
أعاضها إياك
وقال أيضاً
هل تصدقون أن هذا البيت موزون !! و كلماته كلها فصيحة !!
و مع ذلك كان بيتاً بشعاً جداً لكثرة التكرار ، فالتكرار سواء كان للفظ واحد أو فعل
أو حرف يخل بفصاحة البيت
وقال أبو تمام
نِعمَ متاع الدنيا حباك به
أروع لا جيدرٌ ولا جبس
جيدر تعني القصير وهي غير فصيحه وغرابة الأستعمال عيب في فصاحة الكلمة
حتى أحد أشهر الأبيات لزهير بن أبي سلمى وقع فيه عيبٌ يخل في فصاحة الكلام حيث قال
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه
يُهدم ومن لم يظلم الناس يظلـم
يعني بمن لم يظلم الناس يظلم أي من يكن ضعيفاً يظلم ، وفيه تعقيد معنوي يؤثر في فصاحة الكلام حيث كنى بالظلم عن المحافظة على الحقوق و هو بعيد
وها هو حميدان الشويعر وهو أحد شعرائنا الشعبين أيضاً يقول
فانا الماهر البيطار و الشاعر الذي
تطيع القـــــوافي لـه بليّـا تلامـس
اصفّى حليات القوافـــــي مـن النبـا
بشبـر طـــــــويـل للتفانيـن لامـس
صفا لي عرف كما انـي بنطقهــا
مهذب المقـــول فاصح غير خارس
البيت الثالث غير مستقيم الوزن كما ذكر في ديوانه
وأُخذ أيضاً على بعض الشعراء العمالقة في تاريخ شعرنا النبطي تماديهم في استخدام البديع من الجناس و الطباق و غيره
أخـــــــوانـــــــي
لم تخلُ أعمال أعظم شعراء العرب على مر التاريخ من الأخطاء ولم تسلم من النقد ، ولم يسلم أيضاً شعراء أخرون من تقليل شأن شعرهم و قدرهم رغم عظمتهم لظروف سياسية أو ما شابه كما حدث مع ابن الرومي مثلاً
كما أنه باختلاف الأذواق و المناهج النقدية تختلف أحكام النقد اختلافاً كثيراً ، وكمثال على ذلك الأختلاف في الحكم على الشعر قول الشاعر المصري الكبير ابراهيم ناجي في قصيدة بعنوان
قلب راقصة
أمسيت أشكو الضيق و الأينا
مستغرقاً في الفكر و الســأم
فمضيت لا أدري إلـى أينـــــا
ومشيت حيث تجرني قدمـــي
فقد أعجب أبو شادي و السحرتي بالأبيات إعجاباً شديداً و هم نقاد كبار ، ولكن الدكتور طه حسين يرى أنها من الكلام المألوف الذي شبع منه الناس و ينقد البيت الثاني فلا يعجبه أسلوب
تجرني قدمي
لأن المرء يجرُّ قدمه و هي لا تجره ، ويرد السحرتي على هذا بأن العبارة تصوير شعري بديع للسأمان المتحير الذي تجره قدمه لشرود عقله فأصبحت قدمه هي المسيرة له ، و يأتي عبدالوهاب حمودة في صف طه حسين
و يرد على السحرتي بأنه كيف يستقيم الأستغراق في الفكر مع السأم ويقول : أول ما يصادفك من هذه الألفاظ الأبتذال و السوقية ، ثم أنظر إلى هذه الصورة التي لا تلائم شعراً و لا لغة فالقدم لا تجر صاحبها و إنما تحمله.
ومن أمثلة إختلاف النقاد حول أدبائنا و شعرائنا اختلافهم في شوقي و حافظ اختلافاً كبيراً ، فطه حسين يقول عنهما : إنهما لم يبلغا من التفوق ما كنت أحب لهما وكان يفضل مطران عليهما ، و العقاد ينفي عن شوقي الشاعرية و يرى أن حافظاً أشعر ولكن شوقي أقدر
إذن هل تجدون أي مبرر بعد هذا لأظهار الحساسية من النقد ؟؟
وهل ترون أن محاربة ابن الرومي أو إظهار أخطاء المتنبي وسرقاته أو نقد شوقي
و ابراهيم ناجي أو وضع التجربة الشعرية لعمالقة شعراء النبط تحت المجهر قد قللت من شأنهم ؟؟
العمل الجيد أيها الشعراء و المبدعون يفرض نفسه مهما قدح فيه الأخرون أوحاولوا إبداء وجهة نظرهم الشخصية إتجاهه فهي مبنية على منهجيتهم الخاصة أو ذوقهم الخاص ، لا سيما و أن هناك من النقاد من يؤمن بأن النقد شيء مستقل عن كل العلوم و قوامه الذوق و منهجه التأثرية وليس شيئاً موضوعياً على الأرجح يكون مرجعه نظريات العلوم المختلفة ، و يبقى فريق آخر يؤمن بالعكس .
كما أني لا أنصح أي كاتب أن يكون هدفه الأول الظهور بشعره أو الحصول على مكانة خاصة من خلاله ، وذلك بسبب بسيط جداً أن المكانة المرموقة لا تعني دوماً التميز فالذوق العام أحياناً يصيبه المرض و سوف أضرب مثال
تخيلوا أنا من بين أعضاء المنتدى عضو يستعذب كلمات شعبان عبدالرحيم حين
قال
أنا بكره أسرائيل و بحب حسني مبارك
و يستهوي كلمات من قبيل
تعال و أشرب الشاهي بيالة شاهي عالماشي
فهل تتخيل أنه سوف يطرب لما تصوغونه من شعر نبطي أو فصيح ؟؟
وتخيل أن المنتدى كله لا سمح الله من هذا القبيل هل سترحل بقلمك لمجرد أنك حوربت أو أنهم لم يتذوقوا فنك ؟؟ ، في إعتقادي هذا حل مغلوط فالأولى أن تطرح ما تنتجه على كل الأذواق و تستوعب كل الأمزجه ، بل أرى أنك إذا أقبلت على شريحة لم تتذوق فنك في البداية أفضل بكثير من اللهث وراء المصفقين و المهللين ،
ومن ثم أولاً و أخيراً لك قبول ما تجده سليماً و مفيداً لك ، و ما سوف يضيف لك شيءً جديداً وهذا هو بيت القصيد و مربط الفرس .
كان ما سبق نصيحة لمن كان يتحسس من النقد و أختصره في هذه الجمل القصيرة
أطرح إبداعك ، وحاور من أحب نقاشك ، استوعب الحاقدين قبل المحبين ، وأخيراً خذ من هذه التجربة كل ما هو إيجابي و اترك السلبيات لأصحابها ، و بهذا الشكل سوف تعود في المرة القادمة و بلا شك أكثر قوةً و منعة
النقد لا يقتصر على أشخاص بعينهم .. بل أن النقد ومفتوح لاي شخص متمكن .. وله باع في ميدان الشعر .. والأدب .. ويتمتع بثقافة ادبية تؤهله لأن يقدم نظرة نقدية يستفاد منها .
سامحوني أحبتي على الأطاله و القصور
تحياتي و احترامي لكم جميعاً فرداً فرداً