احاسيس ومشاعر طيبتي أكبـــــر هموومي
عدد المشــــاركات : 5678 العمر : 37 علم الدوله : المزاج : نقاطي المكتسية : 5823 الانتساب : 01/01/2008
| موضوع: التاريخ البريطاني وزوال الوحدة البريطانية السبت 21 يونيو - 23:58 | |
| التاريخ البريطاني وزوال الوحدة البريطانية
نغمات الرغبة في الانفصال التي يتداولها الساسة البريطانيون في هذه الظروف الراهنة بعد غزو العراق ، هو امتداد المساحة الزمنية على معطيات الماضي وأحداثه التي جمعت بريطانيا في ممارساتها التاريخية ، وغرقت في شرور السطو الاستعماري ؛ فملكوا القوة والمال وأسباب الغلبة ولم يعصمهم الثراء ، والقوة ، والدهاء على إيقاظ واستقطاب التوجهات العرقية والعنصرية والفئوية والطائفية ، وخلق الكثير من المآسي لكثير من دول العالم بالأعمال السوداء وبالأخص فصل الأقطار العربية عن بعضها البعض . فهذه بريطانيا التي كانت في العهد الروماني ضمن ولايات الدولة الرومانية ، وكان يسكنها شعب قديم يدعى "الكلت" . وفي القرون الثلاثة الأولى بعد الميلاد ، تحرّكت شعوب أوروبا الشمالية الذين كانوا يسمّون "البرابرة الشماليين" ، وراحوا يغزون أجزاء الإمبراطورية الرومانية . وكانت عناصر من هذه الشعوب ، مثل الآنجلز ، والسكسون ، والجوت ، تغير على بريطانيا ، بينما كانت عناصر أخرى تغير على غاليا (فرنسا فيما بعد) وإيطاليا . وقد أدّت هذه الغارات إلى إضعاف الدولة الرومانية ، فاضطر الرومان إلى سحب جيوشهم من بريطانيا عام 442 للميلاد لاستعمالها في صدّ هجمات البرابرة الذين أخذوا يضيّقون الخناق على روما . وقد أصبحت بريطانيا بعد سحب هذه الجيوش ، مكشوفة مما أفسح المجال للشعوب التي كانت تغير عليها ، أن تدخل إليها ، ومن ثم استقروا فيها . ومع نهاية القرن الخامس للميلاد ، تمكّن هؤلاء الغزاة من اجتياح معظم البلاد المعروفة حديثاً باسم "إنجلترا" ، وطردوا أمامهم أهالي البلاد الأصليين من "الكلت" فاختفى هؤلاء ، واختفت معهم الديانة المسيحية بشكل مؤقت من البلاد . ومع مرور الوقت ، ضعفت قوة الغزاة ، فاستغل هذا الوضع ملك نورمانديا التي كانت جزءاً من فرنسا ، وكان يدعى "وليم" فقاد حملة بحرية مؤلفة من آلاف الجنود النورماند والفرنسيين ، ودخل بريطانيا واستولى عليها عام 1066 ، واستوطن فيها وجعلها دار ملكه . واختلط الفاتحون النورماند مع الشعب الإنجليزي القديم ، ومن هذا الاختلاط نشأ الشعب الإنجليزي الحديث . وكان الملوك النورمانديون يحكمون بريطانيا ونورمانديا ومن ثم توسّع ملكهم فشمل معظم أرجاء بلاد الغال (فرنسا) . وقد ساء بعض الأمراء الفرنجة الذين ينتسبون إلى الأسرة الكارولنجية التي أسسها "بيبن" عام 752 للميلاد ، أن يروا أن بلادهم أصبحت تخضع لسيطرة الإنجليز. فانتفض هؤلاء ، وعقدوا عزمهم على تحريرها . وتطور الموقف بين الجانبين، الفرنجي والإنجليزي ، فاندلعت حرب المئة عام في 1337 ، وهي حرب التحرير الفرنسية، وقد كانت هذه الحرب سجالاً بين الجانبين . لكن في النهاية ، حلّت الهزيمة بالإنجليز في موقعة "تالبوت" عام 1453 ، وسقطت مدينة بوردو التي كانت آخر حصن في أيديهم . وبسقوط هذه المدينة انتهت حرب المئة عام ، وظهرت فرنسا كمملكة قوية متماسكة ، وبلغت في نهاية القرن الخامس عشر درجة كبيرة من الاتساع وكثرة السكان . أما الإنجليز فإنهم قد تضعضعوا ، فحدث الانقسام في الأسرة الحاكمة مما أدى إلى وقوع حرب أهلية سميت "حرب الوردتين" بين آل يورك ، وآل لانكستر ، بين 1455 و 1485 ، وانتهت بانتصار آل لانكستر ، حيث أصبح هنري تيودور من هذه الأسرة ملكاً على بريطانيا باسم "هنري السابع" ، ومن ثم جاء بعده ولده "هنري الثامن" من عام 1507 حتى عام 1547 . وفي عهد هذا الملك حدث الإصلاح الديني ، وانتقلت بريطانيا من الكاثوليكية إلى البروتستانتية ، وأصبح الملك هو الرئيس الأعلى للكنيسة الإنجليزية وله كل السلطات الروحية والقانونية التي كان باباوات روما يتمتعون بها في إنجلترا . وقد أنشأ هنري الثامن أسطولاً قوياً ، وحصَّن الشواطئ ، وقام بحرب ضد فرنسا عام 1543 ـ 1546 ، كما ضمَّ بلاد الغال "ويلز" إلى إنجلترا ، ومدَّ سلطانه إلى أيرلندا ، ووحّد بين شمال إنجلترا وجنوبها ، وحاول ضمّ اسكتلندا ، ولكنه فشل في هذا السبيل . وخلفه من بعده ولده إدوارد السادس الذي كان ضعيفاً ومريضاً ، ولم يدم حكمه طويلاً بل مات عام 1552 ، فخلفته أخته ماري التي حكمت حتى عام 1558 . وجاءت بعدها أختها غير الشقيقة إليزابيث التي حكمت حتى عام 1603 وماتت ، وبموتها لم يبقَ هناك وريث لعرش إنجلترا . وكان للملك هنري السابع ابنة اسمها مارجريت ، وكانت هذه قد تزوجت من ملك اسكتلندا جيمس الخامس ، وأنجبت ابنة أسمتها "ماري" ، ومن ثم تزوجت ماري هذه من ملك فرنسا فرانسوا الثاني وأنجبت منه "جيمس السادس" . وبعد موت إليزابيث تم استدعاء جيمس السادس من اسكتلندا ليتولى عرش إنجلترا . وهكذا أصبحت المملكتان تحت سلطة واحدة ، وغيّر الملك اسمه إلى "جيمس الأول" ، وانتقل الملك في إنجلترا من أسرة تيودور إلى أسرة ستيوارت الاسكتلندية . وعلى الرغم أن ملك اسكتلندا قد أصبح يحكم إنجلترا ، إلاّ أن الاسكتلنديين لم يقبلوا آنذاك بالوحدة مع إنجلترا ، بل ظل لهم برلمانهم الخاص وقوانينهم الخاصة . ومن ثم مات الملك جيمس الأول عام 1629 ، فخلفه ولده شارل الأول . وفي عهد هذا الملك حدثت ثورة البيوريتانيين بقيادة أوليفر كرومويل التي انتصرت عام 1648 ، وتم إعدام الملك شارل عام 1649 . وأعلن كرومويل إنشاء الجمهورية البريطانية ، وقام بضمّ اسكتلندا بالقوة ، كما أخضع التمرّد في أيرلندا بعد غزوه لها عام 1655 ، ودفع البروتستانت الإنجليز إلى الاستيطان هناك ، وأعلن عن قيام "بريطانيا العظمى" وسمّى نفسه "حامي الحمى" . لكن هذا الاتحاد القائم على الظلم لم يدم طويلاً ، فلم يلبث أن تصدّع الاتحاد بعد موت كرومويل عام 1660 ، وعادت الملكية إلى إنجلترا بشخص الملك شارل الثاني عام 1661 . وبدأ البرلمان في كل من "دبلن" و "أدنبرة" يمارس أعماله . وفي الوقت نفسه ، فقد اندلعت الحرب الطائفية بين المستعمرين البروتستانت والسكان الأصليين الأيرلنديين من الكاثوليك ، وهي الحرب التي لم تزل قائمة إلى الآن . ولم يقتنع الاسكتلنديون بالوحدة مع إنجلترا إلاّ في عام 1707 . ومنذ ذلك الوقت ، ظلت بريطانيا مملكة متحدة تضمّ أربعة ممالك هي "إنجلترا ، و ويلز ، واسكتلندا ، وأيرلندا" . لكن الاسكتلنديين الذين لم يقتنعوا سابقاً بسهولة بالاتحاد مع إنجلترا ، أصبحوا الآن يطالبون بالاستقلال وبناء دولة خاصة بهم بعيداً عن الاتحاد البريطاني . وقد دعا أليكس سالموند زعيم الحزب القومي الاسكتلندي خصومه إلى التخلص من معارضتهم لإجراء استفتاء حول الاستقلال ، وهذا الاستفتاء سوف يحدث في حال فاز هذا الحزب في الانتخابات البرلمانية في شهر أيار/مايو المقبل . ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ، هل سترضى إنجلترا التي ضحّت في الماضي في سبيل ضمّ اسكتلندا إليها ، بأن ترى هذه الأخيرة ، اليوم ، تختار طريقاً بعيداً عنها ؟. قطعاً أن إنجلترا سيصعب عليها كثيراً هذا الأمر ، لكنها ستكون آنذاك أمام خيارين ، فإما أن تقبل بالواقع وتعترف باستقلال اسكتلندا ، أو أن تقرر شنّ حرب لا هوادة فيها على الانفصاليين الاسكتلنديين . ولعل إنجلترا ستختار الخيار الثاني ، لكنها عند ذلك ستقع في شرّ أعمالها، لأن هذه الحرب لن تؤدي إلى إعادة اسكتلندا إلى الاتحاد ، بل ستكون البداية لتفكك الاتحاد كله ، وإلى عودة إنجلترا كجزيرة صغيرة باردة في أقصى شمال أوروبا . إن زمانهم قد ولّى ، وقد يشهد العالم قريباً الزوال الطبيعي لهذه الشجرة التي فسدت وأنتنت ، فلم تعد صالحة للحياة ، ولم تعد تصلح إلاّ للاجتثاث والتشرذم ، والتاريخ لا يجابه بما أصبح خارج التاريخ .
| |
|