الزرقا في المؤتمرات الدولية :
الأستاذ الزرقا يتقن اللغة الفرنسية تحدثاً وكتابة ، ويجيد اللغة الإنكليزية ، ويعرف شيئاً من اللغة الألمانية . وهذه المعرفة للغات الغربية ، إضافته إلى تفوقه العلمي قادته إلى حضور كثير من المؤتمرات العالمية ، وقد كانت له بصمات واضحة في نتائج تلك المؤتمرات ، نذكر منها ما يلي :
1 ـ في عام 1937 م عقد في لاهاي عاصمة هولاندا ( مؤتمر الحقوق المقارنة ) وكان من نتائجه أن اتخذ المبادئ الثلاثة التالية :
أ ـ اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً من مصادر التشريع العام
ب ـ اعتبارها حية ، قابلة للتطور .
ج ـ اعتبارها تشريعاً قائماً بذاته ، ليس مأخوذاً عن غيره .
2 - في 1948م انعقد في باريس ( مؤتمر المحامين الدولي ) ،وانتهى المؤتمر إلى إصدار التوصية التالية :
اعترافاً بما في التشريع الإسلامي من مرونة ، وما له من شأن ، يجب على جمعية المحامين الدولية أن تقوم بتبني الدراسة المقارنة لهذا التشريع ، وبالتشجيع عليها .
3 ـ في عام 1951م عقدت شعبة الحقوق الشرقية من ( المجمع الدولي للحقوق المقارنة ) في كلية الحقوق من جامعة باريس للبحث في الفقه الإسلامي تحت اسم ( أسبوع الفقه الإسلامي ) برئاسة المسيو مِيّو MILLIOT أستاذ التشريع الإسلامي بجامعة باريس ، دعت إليه عدداً كبيراً من أساتذة كليات الحقوق العربية وغير العربية ، وكليات الأزهر ، ومن المحامين الفرنسيين والعرب وغيرهما ، ومن المستشرقين .
وكانت المحاضرات والمناقشات كلها باللغة الفرنسية . وعند انتهاء المؤتمر صرح نقيب المحامين في باريس فقال بالحرف الواحد : أنا لا أعرف كيف أوفق بين ما كان يحكى لنا عن جمود الفقه الإسلامي وعدم صلوحه أساساً تشريعياً يفي بحاجات المجتمع العصري المتطور ، وبين ما سمعناه في المحاضرات والمناقشات مما يثبت خلاف ذلك تماماً ببراهين النصوص والمبادئوانتهى هذا المؤتمر بالتوصية التالية :
إن المؤتمرين بناء على الفائدة المتحققة من المباحث التي عرضت أثناء ( أسبوع الفقه الإسلامي ) وما جرى حولها من المناقشات التي ظهر منها بوضوح تقرر :أ ـ أن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة ( حقوقية تشريعية ) لا يمارى فيها .
ب ـ وأن اختلاف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة الحقوقية العظمى ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات ، ومن الأصول الحقوقية ، هي مثار الإعجاب ، وبها يستطيع الفقه الإسلامي أن يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة ، والتوفيق بين حاجاتها .
وإذا لنا من تعليق على هذه النتائج الرائعة التي ترفع الرأس فنقول : إن الفضل ، كل الفضل ، لأولئك الذين نذروا أنفسهم ، من أمثال الأستاذ الزرقاء وإخوانه العلماء الفطاحل الأفذاذ الكبار ، والذين يستحقون منا أن نحيي ذكراهم ، وأن ننشر للأجيال الحاضرة والقادمة سيرتهم وأعمالهم وأفضالهم ، ونبين بكل الألسنة وبكل وسائل النشر والإعلان ما قدموا لخدمة هذه الشريعة الغراء ، و كيف أجبروا علماء التشـريع والقانون في العالم إلى الاعتراف بالشريعة الإسلامية مصدراً أساسياً من مصادر التشريع العالمية .
يتبع الحلقة الثالثة ...